حكاية ما بين الأيلولين : لماذا سجن سلمان العوده؟
“اللهم الف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم” دعوة بريئة لطيفة من اثنتي عشرة كلمة. عادةً، لن تجد من يغضب منك بسبب دعوة كهذه فما هو أفضل من طلب الانسجام بين القلوب والأمم؟ ولكن هذا ليس الحال في المملكة العربية السعودية!
كانت أقل من 66 حرف بريئة على تويتر كافية لوضع واحد من أكثر العلماء المسلمين شهرة على مستوى العالم في السجن.
في 10سبتمبر 2017، بعد ساعات فقط من نشر تلك التغريدة، داهمت قوات الأمن السعودية منزل الشيخ سلمان العوده، 64 عامًا، وهو عالم دين سعودي يتابعه أكثر من 20 مليون شخص على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
وعلى الرغم من أن المسؤولين السعوديين الذين يزدادون دهاءً على وسائل التواصل الاجتماعي قد يحسدون العوده على متابعيه البالغ عددهم 13 مليون شخص على تويتر، إلا أن ذلك لم يكن السبب لاعتقاله. ولا يوجد في السعودية، حيث تقع أقدس اماكن الإسلام، حظر على الصلاة. فلماذا اعتقال الشيخ العودة؟
قبل أيام من اعتقال العوده، أرسلت السلطات السعودية مذكرة إلى علماء دين مشهورين للتغريد على تويتر لدعم موقف الحكومة السعودية في خلافها مع قطر. ولا يوجد شيء غير مألوف في مثل هذه التوجيهات من السلطات السعودية إلى علماء الدين. يلتزم العديد من العلماء السعوديين بهذا التوجيهات بينما التزم عدد قليل منهم الصمت. لكن العوده لم يفعل ذلك. لقد غرد من أجل السلام وليس الحرب.
ولكن في زمن محمد بن سلمان، لا مكان للحياد. أي شيء أقل من الطاعة المطلقة يجلب غضب الحاكم.
في حالة الشيخ العوده كانت التغريدة مجرد حجة استخدمت من قبل السلطات السعودية للايقاع به. كانت السلطات السعودية تتبابع ملف الشيخ منذ سنوات. هم لم ينسوا كيف لم يخف العوده دعمه لثورات الربيع العربي في عام 2011. كما احتفظوا في ذاكرتهم لدعوته العلنية إلى العائلة المالكة في مارس/آذار 2013، حيث طالب بالإفراج عن سجناء الرأي. وعلاوة على ذلك، فإن الحظر المفروض على كتابه “اسئلة الثورة” من عام 2010 الذي ناقش فيه الإصلاح السياسي لا زالت قائمة.
كانت العائلة المالكة السعودية على علم تام بأفكار العوده الإصلاحية. في الواقع، كان ولي العهد الحالي في وقت من الأوقات زائراً لمنزل العوده حيث أمضى ساعات في الاستماع إلى خريطة الطريق التي رسمها العوده من أجل الاصلاح في السعودية. في ذلك الوقت كان محمد بن سلمان مجرد أمير شاب و واحد من بضعة آلاف ععضو من العائلة المالكة السعودية . و قد استمع محمد بن سلمان إلى آراء العوده بشوق و الهاف. ودعا العوده لزيارة منزلهم حيث كرر العوده أفكاره حول الإصلاح وهذه المرة بحضور سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودي الحالي.
ولم يتضح في ذلك الوقت ما هي نية و دوافع اهتمام الأمير الشاب بالاستماع إلى أفكار العوده بشأن الإصلاح شخصياً. ووفقاً لابن العوده ، عبد الله، وهو باحث في جامعة جورج تاون، بدا الأمير الشاب متحمساً ومتفقاً مع ما قاله العوده. لكن الناس يتغيرون.
كان لسلمان العوده نفسه نصيبه الخاص من التغيير والتحول الشخصي، ولكن إلى الأفضل.
في أوائل التسعينيات عُرف العوده وهو محاضر جامعي شاب ببعض آرائه المحافظة حول معظم المواضيع الدينية. وهو اليوم أحد أكثر الأصوات شهرة في التيار الاسلامي المعتدل. في حقبة ما بعد الحادي عشر من 11/9، طمحت السلطات السعودية إلى دعم العوده لاستخدام نفوذه وشرعيته وشعبيته بين الشباب المسلم المتدين لثنيهم عن الانضمام إلى مناطق الحرب في العراق وأفغانستان.
كان العوده شفافاً بشأن التغيير الذي حدث في تفكيره. أنتج سلسلة “نعم اتغير” حيث جادل بقوة أسباب الحاجة الى تغيير في وجهات نظره، بما في ذلك ارائه الدينية. العوده كان مستعداً لمواجهة ردة الفعل العنيفة من اتباعه. ورداً على هذه الردود، قال العوده : “لا يمكن لأحد أن يقيد حريتي في التفكير؛ لا حكام ولا متابع”.
نعم لقد غير سلمان العوده بعض ارائه لكن الشيء الوحيد الذي ظل ثابتاً في حياته كان ثمن ابداء رايه بحرية: السجن.
في حزيران/يونيه 1992، انضم العوده إلى قائمة أساتذة الجامعات والعلماء في التوقيع على “مذكرة المشورة” التي كانت رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز للمطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي والإداري.
بدأ العوده باستخدام منبر مسجده ومحاضراته في الجامعة لمناقشة أفكاره حول الحاجة إلى الإصلاح السياسي في السعودية.
في عام 1993، تم فصل العوده من منصبه كمحاضر جامعي. وفي أيلول/سبتمبر ١٩٩٤، ألقي القبض على العوده من قبل السلطات الامنية السعودية. أدى اعتقاله إلى احتجاجات نادرة الحصول ضد السلطات السعودية. عُرفت الاحتجاجات باسم “انتفاضة البريدية” نسبة الى البريدية و هي المدينة التي نشا و ترعرع فيها العوده و كان مركزا لاتباعه و محبيه. وألقي القبض على المئات من مؤيدي العوده. في حينه وصفت هيومن رايتس ووتش الاعتقالات بأنها الأكبر في تاريخ السعودية الحديث.
وقد احتُجز العوده في السجن لمدة خمس سنوات، دون محاكمة و أُطلق سراحه في عام 1999.
لقد عاودته تغريدته من سبتمبر/أيلول 2017 إلى السجن ولكن هذه المرة في ظل ظروف أقسى بكثير.
بين عامي 1994 و2017، نمت شعبية العوده ونفوذه وعمره و لكن لم يشفع له كل كذلك. فالقيادة الجديدة في العائلة الحاكمة في السعودية تخطت كل الخطوط الحمر و لم يلق بالا بمكانة سلمان العوده العلمي و الجماهيري.
بدات المعاملة المشينة للعوده من نقطة الصفر. فوفقاً لشهادات أسرته، تعرض العوده للإساءة اللفظية والبدنية يوم احتجازه. الطريقة التي تم بها اعتقاله تجسد عدم احترام السلطات السعودية للعالم الشعبي.
احتُجز سلمان العوده بعيداً عن أسرته والمحامين لمدة ستة أشهر. و صحته أصبحت سيئة لدرجة أنه اضطر إلى نقله إلى مستشفى الطوارئ بعد بضعة أشهر من اعتقاله التعسفي.
تُرك العوده مقيد اليدين ومعصوب العينين في الحبس الانفرادي. كما حُرم عمداً من النوم.
هذه هي التفاصيل التي تمكنا من معرفتها بفضل كفاح عائلته من أجل تسريب أي معلومة عن حالة العوده.
وفقاً لابنه عبد الله، فإن في مرحلة ما من فترة سجنه, كان يترك مكبل اليدين بينما يلقى عليه الطعام في أكياس صغيرة مغلقة. ، كان العوده غير قادر على استخدام يديه فيظطر لاستخدام أسنانه لفتح أكياس الطعام. و قد ادى ذلك التعذيب المتعمد لكسور و جروح كثيرة باسنانه.
السعوديون يشاهدون الظروف المأساوية لـ العوده والعديد من العلماء المشهورين في صمت لانهم يعرفون أن تكلفة إظهار التضامن ستكون باهظة للغاية.
قبل اشهر قليلة من اعتقاله، فقد العوده زوجته وأحد أطفاله في حادث سيارة. أعرب الملايين في السعودية وفي جميع أنحاء العالم عن تضامنهم للشيخ في هذا الحدث الاليم. تمكن العديد من متابعين العوده من رؤية جانب من شخصية العوده التي لم تكن متاحة لهم من قبل: الزوج والأب الحزين الذي عبر عن خسارته الكبيرة في مقطع فيديو شوهدت عدة ملايين من المرات على يوتيوب.
بعد أشهر، أنتجت العوده برنامجا خاصا لأولئك الناس الذين فقدوا أحد أحبائهم. وقد شوهد أكثر من 2 مليون مرة في أقل من 48 ساعة من صدوره.
قد يكون العوده العالم المسلم الذي لديه أكبر شبكة متابعين على وسائل التواصل الاجتماعي مع 13 مليون متابع على تويتر، 7 ملايين معجب على فيسبوك، 2 مليون متابع على الانستجرام وعدة مئات الآلاف من المعجبين عبر المنصات الأخرى.
ولكن هذه الملايين مضطرون لكي تخفي تعاطفها مع العوده لأنفسهم، في الوقت الراهن. القيادة الجديدة في السعودية لا تتسامح مطلقاً مع أي شكل من أشكال المعارضة حتى لو كانت تغريدة أو تعليقا أو ما شابهها.
بعد ان قضى سلمان العودة أشهرا في السجن بدون ان توجه اليه اية تهمة، حوكم العوده أخيراً. وكان لدى المدعي العام قائمة طويلة من 37 جريمة يُزعم أن العوده ارتكبها.
نظرة سريعة في الجرائم المزعومة التي اتهم بها العوده تكشف الكثير عن الاتجاه المأساوي الذي اتخذته السلطات السعودية. تتضمن القائمة أشياء مثل امتلاك الكتب المحظورة في مكتبته وعدم الدعوة لولي الامر. كما أنه متهم بالتسبب في الفساد بسبب مطالبه بالإصلاح.
في سبتمبر/أيلول 2017، طلب المدعي العام السعودي إعدام العوده. شكلت هذه الطلب من الادعاء العام صدمة كبيرة في اوساط كثيرة في السعودية وفي جميع انحاء العالم . لم يكن ذلك سوى دليل آخر على أنه في عصر ولي العهد الجديد، فإن أسوأ سيناريو هو الأكثر احتمالاً.
قبل الدخول إلى السجن، وفي تأبين زوجته وطفله، كتب: “كان يا ما كان في قديم الزمان. عصافير محبوسة في القفص. فجاة فتح الباب. طارت الام و لحقها احد صغارها. كانت الام تقف كل صباح على الشرفة تغرد لصغارها عن العالم الفسيح عن الجمال هناك. ثم تذهب لترتب بقية العش. لم تنتهي الحكاية, غدا ستطير العصافير.”
كان شهر أيلول/سبتمبر ١٩٩٤ أول مرة رأى فيها العوده زنزانة السجن. واقتيد مرة أخرى إلى السجن في سبتمبر/أيلول 2017. و في السنوات بين الايلولين، قضى العوده حياته في الكتابة وإلقاء المحاضرات والعيش حياة كاملة.
لا يزال العوده في السجن، لكن روحه ورؤيته ومساهماته أبعد ما تكون ان تحبس. هناك ملايين في جميع أنحاء العالم الذين يريدون أن يروا الغد حيث يمكن لجميع الطيور أن تطير بحرية من أقفاصها.
CHANGE A LIFE TODAY
As long as injustice persists, none of us can truly rest. It doesn’t take much to change a life, help us bring light to this injustice today by sharing this page and start making the difference.